الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)
وَيُقَالُ أَتَيْنَا أَهْلَنَا مُهَجّرِينَ أَيْ فِي وَقْتِ الْهَاجِرَةِ وَالتّهْجِيرُ وَالتّهَجّرُ السّيْرُ فِي الْهَاجِرَةِ فَهَذَا مَا يُقَرّرُ بِهِ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ الْآخَرُونَ الْكَلَامُ فِي لَفْظِ التّهْجِيرِ كَالْكَلَامِ فِي لَفْظِ الرّوَاحِ فَإِنّهُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ التّبْكِيرُ. قَالَ الْأَزْهَرِيّ فِي التّهْذِيبِ: رَوَى مَالِكٌ عَنْ سُمَيّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «لَوْ يَعْلَمُ النّاسُ مَا فِي التّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْه». وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مَرْفُوعٍ: «الْمُهَجّرُ إلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً» قَالَ وَيَذْهَبُ كَثِيرٌ مِنْ النّاسِ إلَى أَنّ التّهْجِيرَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَفْعِيلٌ مِنْ الْهَاجِرَةِ وَقْتَ الزّوَالِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصّوَابُ فِيهِ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد المصاحفي عَنْ النّضْرِ بْن شُمَيْلٍ أَنّهُ قَالَ التّهْجِيرُ إلَى الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا: التّبْكِيرُ وَالْمُبَادَرَةُ إلَى كُلّ شَيْءٍ قَالَ سَمِعْتُ الْخَلِيلَ يَقُولُ ذَلِكَ قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ الْأَزْهَرِيّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ مِنْ قَيْسٍ قَالَ لَبِيد: فَقَرَنَ الْهَجْرَ بِالِابْتِكَارِ وَالرّوَاحُ عِنْدَهُمْ الذّهَابُ وَالْمُضِيّ يُقَالُ رَاحَ الْقَوْمُ إذَا خَفَوْا وَمَرّوا أَيّ وَقْتٍ كَانَ. وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ يَعْلَمُ النّاسُ مَا فِي التّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ أَرَادَ بِهِ التّبْكِيرَ إلَى جَمِيعِ الصّلَوَاتِ وَهُوَ الْمُضِيّ إلَيْهَا فِي أَوّلِ أَوْقَاتِهَا قَالَ الْأَزْهَرِيّ وَسَائِرُ الْعَرَبِ يَقُولُونَ: هَجّرَ الرّجُلُ إذَا خَرَجَ وَقْتَ الْهَاجِرَةِ وَرَوَىٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ: هَجّرَ الرّجُلُ إذَا خَرَجَ بِالْهَاجِرَةِ. قَالَ وَهِيَ نِصْفُ النّهَارِ. ثُمّ قَالَ الْأَزْهَرِيّ: أَنْشَدَنِي الْمُنْذِرِيّ فِيمَا رَوَى لِثَعْلَبٍ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيّ فِي نَوَادِرِهِ قَالَ قَالَ جِعْثِنَةُ بْنُ جوّاس الرّبْعِي فِي نَاقَتِهِ: قَالَ الْأَزْهَرِيّ يُهَجّرُونَ بِهَجِيرِ الْفَجْرِ أَيْ يُبَكّرُونَ بِوَقْتِ السّحَرِ. وَأَمّا كَوْنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَكُونُوا يَرُوحُونَ إلَى الْجُمُعَةِ أَوّلَ النّهَارِ فَهَذَا غَايَةُ عَمَلِهِمْ فِي زَمَانِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللّهُ وَهَذَا لَيْسَ بِحُجّةٍ وَلَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إجْمَاعُ الْمَدِينَةِ حُجّةٌ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ إلّا تَرْكُ الرّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ أَوّلِ النّهَارِ وَهَذَا جَائِزٌ بِالضّرُورَةِ. وَقَدْ يَكُونُ اشْتِغَالُ الرّجُلِ بِمَصَالِحِهِ وَمَصَالِحِ أَهْلِهِ وَمَعَاشِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ أَفْضَلَ مِنْ رَوَاحِهِ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ أَوّلِ النّهَارِ وَلَا رَيْبَ أَنّ انْتِظَارَ الصّلَاةِ بَعْدَ الصّلَاةِ وَجُلُوسَ الرّجُلِ فِي مُصَلّاهُ حَتّى يُصَلّيَ الصّلَاةَ الْأُخْرَى أَفْضَلُ مِنْ ذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِلثّانِيَةِ كَمَا قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَلّذِي يَنْتَظِرُ الصّلَاةَ ثُمّ يُصَلّيهَا مَعَ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ الّذِي يُصَلّي ثُمّ يَرُوحُ إلَى أَهْلِهِ وَأَخْبَرَ أَنّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ تَزَلْ تُصَلّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلّاهُ وَأَخْبَرَ أَنّ انْتِظَارَ الصّلَاةِ بَعْدَ الصّلَاةِ مِمّا يَمْحُو اللّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدّرَجَاتِ وَأَنّهُ الرّبَاطُ وَأَخْبَرَ أَنّ اللّهَ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ بِمَنْ قَضَى فَرِيضَةً وَجَلَسَ يَنْتَظِرُ أُخْرَى وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ مَنْ صَلّى الصّبْحَ ثُمّ جَلَسَ يَنْتَظِرُ الْجُمُعَةَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمّنْ يَذْهَبُ ثُمّ يَجِيءُ فِي وَقْتِهَا وَكَوْنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ مَكْرُوهٌ فَهَكَذَا الْمَجِيءُ إلَيْهَا وَالتّبْكِيرُ فِي أَوّلِ النّهَارِ وَاللّهُ أَعْلَمُ.الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنّ لِلصّدَقَةِ فِيهِ مَزِيّةً عَلَيْهَا فِي سَائِرِ الْأَيّامِ وَالصّدَقَةُ فِيهِ بِالنّسْبَةِ إلَى سَائِرِ أَيّامِ الْأُسْبُوعِ كَالصّدَقَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِالنّسْبَةِ إلَى سَائِرِ وَشَاهَدْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيّةَ قَدّسَ اللّه رَوْحهُ إذَا خَرَجَ إلَى الْجُمُعَةِ يَأْخُذُ مَا وَجَدَ فِي الْبَيْتِ مِنْ خُبْزٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَتَصَدّقُ بِهِ فِي طَرِيقِهِ سِرّا وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إذَا كَانَ اللّهُ قَدْ أَمَرَنَا بِالصّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيْ مُنَاجَاةِ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَالصّدَقَةُ بَيْنَ يَدَيْ مُنَاجَاتِهِ تَعَالَى أَفْضَلُ وَأَوْلَى بِالْفَضِيلَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ: حَدّثَنَا أَبِي حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ اجْتَمَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَعْبُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إنّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي صَلَاةٍ يَسْأَلُ اللّهَ عَزّ وَجَلّ شَيْئًا إلّا آتَاهُ إيّاهُ فَقَالَ كَعْبٌ: أَنَا أُحَدّثُكُمْ عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إنّهُ إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَزِعَتْ لَهُ السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْبَرّ وَالْبَحْرُ وَالْجِبَالُ وَالشّجَرُ وَالْخَلَائِقُ كُلّهَا إلّا ابْنَ آدَمَ وَالشّيَاطِينَ وَحَفّتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَيَكْتُبُونَ مَنْ جَاءَ الْأَوّلَ فَالْأَوّلَ حَتّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ فَمَنْ جَاءَ بَعْدُ جَاءَ لِحَقّ اللّهِ لِمَا كُتِبَ عَلَيْهِ وَحَقّ عَلَى كُلّ حَالِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ يَوْمئِذٍ كَاغْتِسَالِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالصّدَقَةُ فِيهِ أَعْظَمُ مِنْ الصّدَقَةِ فِي سَائِرِ الْأَيّامِ وَلَمْ تَطْلُعْ الشّمْسُ وَلَمْ تَغْرُبْ عَلَى مَثَلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هَذَا حَدِيثُ كَعْبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَا أَرَى إنْ كَانَ لِأَهْلِهِ طِيبٌ يَمَسّ مِنْهُ.السّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنّهُ يَوْمٌ يَتَجَلّى اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ لِأَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنّةِ وَزِيَارَتهمْ لَهُ فَيَكُونُ أَقْرَبُهُمْ مِنْهُمْ أَقْرَبَهُمْ مِنْ الْإِمَامِ وَأَسْبَقُهُمْ إلَى الزّيَارَةِ أَسْبَقَهُمْ إلَى الْجُمُعَةِ. وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَمَانِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ فِي قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35] قَالَ يَتَجَلّى لَهُمْ فِي كُلّ جُمُعَةٍ وَذَكَرَ الطّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نُعَيْمٍ الْمَسْعُودِيّ عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللّهِ سَارِعُوا إلَى الْجُمُعَةِ فَإِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَبْرُزُ لِأَهْلِ الْجَنّةِ فِي كُلّ جُمُعَةٍ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ فَيَكُونُونَ مِنْهُ فِي الْقُرْبِ عَلَى قَدْرِ تَسَارُعِهِمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَيُحْدِثُ اللّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ مِنْ الْكَرَامَةِ شَيْئًا لَمْ يَكُونُوا قَدْ رَأَوْهُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمّ يَرْجِعُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ فَيُحَدّثُونَهُمْ بِمَا أَحْدَثَ اللّهُ لَهُمْ. قَالَ ثُمّ دَخَلَ عَبْدُ اللّهِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ رَجُلَانِ وَأَنَا الثّالِثُ إنْ يَشَأْ اللّهُ يُبَارِكْ فِي الثّالِثِ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعَبِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ رُحْت مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ إلَى جُمُعَةٍ فَوَجَدَ ثَلَاثَةً قَدْ سَبَقُوهُ فَقَالَ رَابِعُ أَرْبَعَةٍ وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ. ثُمّ قَالَ إنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ إنّ النّاسَ يَجْلِسُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ اللّهِ عَلَى قَدْرِ رَوَاحِهِمْ إلَى الْجُمُعَةِ الْأَوّلُ ثُمّ الثّانِي ثُمّ الثّالِثُ ثُمّ الرّابِعُ. ثُمّ قَالَ وَمَا أَرْبَعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ قَالَ الدّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابِ الرّؤْيَةِ: حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمّدٍ حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدّثَنَا نَافِعٌ أَبُو الْحَسَنِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ حَدّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ رَأَى الْمُؤْمِنُونَ رَبّهُمْ فَأَحْدَثُهُمْ عَهْدًا بِالنّظَرِ إلَيْهِ مَنْ بَكّرَ فِي كُلْ جُمُعَةٍ وَتَرَاهُ الْمُؤْمِنَاتُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النّحْرِ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ نُوحٍ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ مُوسَى بْنُ سُفْيَانَ السّكّرِيّ حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْجَهْمِ الرّازِيّ حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ عَنْ أَبِي طِيبَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ أَبِي الْيَقْظَانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَتَانِي جِبْرِيْلُ وَفِي يَدِهِ كَالْمِرْآةِ الْبَيْضَاءِ فِيهَا كَالنّكْتَةِ السّوْدَاءِ فَقُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ هَذِهِ الْجُمُعَةُ يَعْرِضُهَا اللّهُ عَلَيْكَ لِتَكُونَ لَكَ عِيدًا وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِك قُلْتُ وَمَا لَنَا فِيهَا؟ قَالَ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ أَنْتَ فِيهَا الْأَوّلُ وَالْيَهُودُ وَالنّصَارَى مِنْ بَعْدِك وَلَكَ فِيهَا سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَبْدٌ فِيهَا شَيْئًا هُوَ لَهُ قَسْمٌ إلّا أَعْطَاهُ أَوْ لَيْسَ لَهُ قَسْمٌ إلّا أَعْطَاهُ أَفْضَلَ مِنْهُ وَأَعَاذَهُ اللّهُ مِنْ شَرّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ وَإِلّا دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ قُلْتُ وَمَا هَذِهِ النّكْتَةُ السّوْدَاءُ؟ قَالَ هِيَ السّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ عِنْدَنَا سَيّدُ الْأَيّامِ وَيَدْعُوهُ أَهْلُ الْآخِرَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ. قَالَ قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ وَمَا يَوْمُ الْمَزِيدِ؟ قَالَ ذَلِكَ أَنّ رَبّكَ عَزّ وَجَلّ اتّخَذَ فِي الْجَنّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ عَلَى كُرْسِيّهِ ثُمّ حُفّ الْكُرْسِيّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيَجِيءُ النّبِيّونَ حَتّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَاُ ثُمّ حُفّ الْمَنَابِرُ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ فَيَجِيءُ الصّدّيقُونَ والشُهَدَاءُ حَتّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا وَيَجِيءُ أَهْلُ الْغُرَفِ حَتّى يَجْلِسُوا عَلَى الْكُثُبِ قَالَ ثُمّ يَتَجَلّى لَهُمْ رَبّهُمْ عَزّ وَجَلّ قَالَ فَيَنْظُرُونَ إلَيْهِ فَيَقُولُ أَنَا الّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَهَذَا مَحَلّ كَرَامَتِي فَسَلُونِيُ فَيَسْأَلُونَهُ الرّضَى. قَالَ رِضَايَ أُنْزِلُكُمْ دَارِي وَأَنَا لَكُمْ كَرَامَتِي فَسَلُونِي فَيَسْأَلُونَهُ الرّضَى. قَالَ فَيَشْهَدُ لَهُمْ بِالرّضَى ثُمّ يَسْأَلُونَهُ حَتّى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهُمْ ثُمّ يُفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. قَالَ ثُمّ يَرْتَفِعُ رَبّ الْعِزّةِ وَيَرْتَفِعُ مَعَهُ النّبِيّونَ وَالشّهَدَاءُ وَيَجِيءُ أَهْلُ الْغُرَفِ إلَى غُرَفِهِمْ. قَالَ كُلّ غُرْفَةٍ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ لَا وَصْلَ فِيهَا وَلَا فَصْمٌ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ وَغُرْفَةٌ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ أَبْوَابُهَا وَعَلَالِيّهَا وَسَقَائِفُهَا وأغْلاقُها مِنْهَا أَنْهَارُهَا مُطّرِدَةٌ مُتَدَلّيَةٌ فِيهَا أَثْمَارُهَا فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا. قَالَ فَلَيْسُوا إلَى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا مِنْ كَرَامَةِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَالنّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ فَذَلِكَ يَوْمُ الْمَزِيدِ وَلِهَذَا الْحَدِيثِ عِدّةُ طُرُقٍ ذَكَرَهَا أَبُو الْحَسَنِ الدّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابِ الرّؤْيَةِ.
|